دعا رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة الدكتور خليل الحية، الوسطاء وخاصة الضامن الأساسي الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب لضرورة العمل على إلزام الاحتلال باحترام اتفاق وقف إطلاق النار والالتزام بتنفيذه وعدم تعريضه للانهيار.
وأكد الحية في كلمة له في الذكرى الثامنة والثلاثين لانطلاقة الحركة، أن السلوك الصهيوني يهدد بقاء الاتفاق صامداً، مشيرا إلى استمرار الخروقات الإسرائيلية للاتفاق وإعاقة المساعدات ومواصلة التدمير والقتل والاغتيالات والتي كان آخرها أمس باستهداف القائد المجاهد رائد سعد وإخوانه.
أولويات الحركة
وأشار إلى أن قيادة الحركة اعتمدت أولويات عمل لها خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تكتنف قضيتنا وكيفية التعامل مع الفرص المتاحة.
وشدد الحية على تمسك حركة حماس والفصائل الوطنية بالاتفاق، منوهاً إلى ضرورة الاستمرار في خطوات وقف الحرب وخاصة استكمال المرحلة الأولى التي تشمل إدخال المساعدات والمعدات اللازمة لتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والبنى التحتية، وفتح معبر رفح في الاتجاهين.
وأكد ضرورة دخول المرحلة الثانية من أجل تحقيق الانسحاب الكامل للاحتلال والبدء في مشاريع الإعمار.
وجدد الحية موقف الحركة الرافض لكل مظاهر الوصاية والانتداب على شعبنا، مؤكدا على ما توافقت عليه مع الفصائل الفلسطينية من القضايا الواردة في رؤية الرئيس ترامب لوقف الحرب.
مجلس السلام ولجنة القطاع
وبيّن أن مهمة مجلس السلام هي رعاية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والتمويل والإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة.
ودعا الحية إلى تشكيل لجنة التكنوقراط لإدارة قطاع غزة من مستقلين فلسطينيين بشكل فوري، قائلاً: “نؤكد جاهزيتنا لتسليمها الأعمال كاملة في كل المجالات وتسهيل مهامها”.
وبخصوص القوات الدولية، أشار الحية إلى أن مهمتها يجب أن تقتصر على حفظ وقف إطلاق النار والفصل بين الجانبين على حدود قطاع غزة مع أراضينا في ال48 دون أن يكون لها أي مهام داخل القطاع أو التدخل في شؤونه الداخلية.
واعتبر أن المقاومة وسلاحها حق مشروع كفلته القوانين الدولية لكل الشعوب تحت الاحتلال ومرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية.
وأكد الحية أن الحركة منفتحة على دراسة أية مقترحات تحافظ على هذا الحق مع ضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتقرير المصير لشعبنا الفلسطيني.
إغاثة شعبنا
ونبه أن من أولويات عمل الحركة خلال المرحلة المقبلة، التحرك المكثف من أجل الإغاثة وإنهاء معاناة شعبنا في قطاع غزة والعمل لتوفير مقومات الحياة الكريمة ووضع حد للأزمات الإنسانية الناجمة عن حرب الإبادة وحتى لا تتكرر المأساة على أهلنا وشعبنا في غزة كما حدثت في المنخفض الأخير الذي ضرب غزة وفلسطين رغم ما بذلناه من جهود مع الوسطاء والجهات المختلفة.
وفي رسالة لأمتنا والعالم، قال الحية: “إن أهل غزة أوذوا كما لم يؤذ مثلهم أحد، وصبروا كما لم يصبر مثلهم أحد، وإنهم اليوم في كرب عظيم، إذ اجتمع عليهم حصار العدو، وركام المنازل، وقلة الزاد وبرد الشتاء، وإنهم إذ يناشدون فيكم إنسانيتكم والمعاني الأخوية للتخفيف من آلامهم والعمل السريع على إغاثتهم”.
مرحلة تحولات
ولفت الحية إلى أن انطلاقة الحركة تأتي في ظل واقع مختلف تشهده القضية الفلسطينية، وفي ظل مرحلة تحولات كبرى، مشددا على أن الحركة تبذل كل جهد حتى تصب هذه المتغيرات لصالح شعبنا واستعادة حقوقه المشروعة.
وقال: “يمر الشعب الفلسطيني حاليا بأيام صعبة ومعاناة قاسية، نتيجة العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية في غزة، وارتقاء ما يزيد على سبعين ألف شهيد، من خيرة أبناء شعبنا وأبطالنا ورجالنا ونسائنا وأطفالنا، لم ترحمهم قذائف الحقد والإجرام الصهيوني”.
وبيّن الحية أن آخر الشهداء القائد المجاهد رائد سعد أبو معاذ وإخوانه الذين كانوا برفقته، مشيدا بجهاده وتضحياته إذ نذر حياته لدينه ووطنه وجاهد في سبيل الله فعاش مطاردا للاحتلال عشرات السنين.
تضحيات شعبنا وقادته
عدوان ممنهج
ونوه بأن شعبنا بالضفة المحتلة يتعرض لحملة إرهاب ممنهجة، تتكامل فيها سياسات الاحتلال العسكرية مع اعتداءات المستوطنين، عبر شبكة خانقة من الحواجز والأبواب الحديدية، التي تقطع أوصال المدن والقرى، فضلا عن القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والتهجير.
وأشار الحية إلى أن المسجد الأقصى في قلب المعاناة التي تستهدف هويته وقدسيته، ويتعرض لمخاطر التهويد والتقسيم الزماني الذي بات أمرا واقعا، موضحاً أن كل يوم يقتحمه مئات المستوطنين المتطرفين، يؤدون فيه طقوسهم ويدنسون باحاته الشريفة، ويسعون لتقسيمه مكانيا.
كما لفت إلى معاناة أهلنا في الأرض المحتلة عام (ثمانية وأربعين) من الاحتلال والعنصرية والقمع ومصادرة الأرض، وهدم البيوت.
وقال: “رغم ذلك يواصلون الصمود والثبات، ويحافظون على هويتهم الوطنية”، مؤكداً أنهم جزء أصيل من شعبنا وقضيته الوطنية.
وتطرق رئيس الحركة بالقطاع إلى معاناة شعبنا في المنافي والشتات، منوهاً أنهم ليسوا أحسن حالا في مخيمات اللجوء؛ ولديهم فصولهم الخاصة من المعاناة والألم والحنين والعوز ومحاولة طمس الهوية.
وأشار إلى استهداف العدو لشعبنا بلبنان، والذي كان آخر فصوله مجزرة الملعب في مخيم عين الحلوة التي أدت إلى استشهاد (ثلاثة عشر) من الفتيان.
وشدد الحية على أن مقاومة شعبنا لا زالت حية وقيادتها ثابتة صلبة، واستطاعت بفضل الله أن تصمد وتثبت وتواجه باقتدار آلة القتل والعدوان والإرهاب الصهيونية.
وقال: “المقاومة أكدت لجموع الأمة وأنصار قضيتنا أن هذا العدو يمكن هزيمته، وأن تحرير فلسطين ممكن إذا ما استند بعد التوكل على الله إلى التخطيط الدقيق والعمل الدؤوب والجهد الموحد”.
قضايا استراتيجية
وأكد الحية بأن شعبنا ومقاومته نجحوا في تحقيق جملة من القضايا الاستراتيجية، أبرزها كسر أسطورة الردع الاستراتيجي وادعاءات التفوق الأمني، فقدمت نموذجا في السابع من أكتوبر، لما يمكن أن يحدث حال تضافر الأمة وتعاونها للخلاص من هذا الاحتلال.
وبيّن أن ذلك أسهم في التقدم في عزل الكيان الصهيوني وتقديم قادته وجنوده للمحاكم الدولية وكشف وفضح صورته القبيحة أمام العالم وإظهارها على حقيقتها باعتباره كيانا إرهابيا يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشار الحية إلى انهيار الرواية والسردية الصهيونية المسيطرة طوال عقود زورا وظلما، وتولدت قناعات جديدة لدى النخب الصاعدة، وتغير المزاج الشعبي تجاه طبيعة العلاقة مع الكيان ومدى أخلاقية مواصلة دعمه.
كما لفت إلى تراجع مشروع التطبيع الذي أراد العدو من خلاله تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني، وتعزيز هيمنته السياسية والاقتصادية والأمنية بعد ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية وعدوانه على دول المنطقة، وحديث قادته عما يسمى “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.
وشدد الحية على أن القضية الفلسطينية استعادت مكانتها الطبيعية، وصعود مشروع وبرنامج المقاومة على طريق التحرير والعودة، وتحوله إلى أمل للشعوب العربية والإسلامية ونموذجا رائدا في تحدي الاحتلال ومواجهته.
ونوه بأن الحدود الآمنة للكيان سقطت حيث تعرض للرد على عدوانه من غزة ولبنان واليمن وإيران والعراق، فلم يعد هناك حصانة للكيان ومواقعه العسكرية التي يستخدمها للعدوان على الأمة.
كما أشار إلى الشرخ الذي أحدثته المقاومة داخل المجتمع الصهيوني وزعزعة الثقة بالقيادة العسكرية والسياسية والأمنية وبدء نقاش جاد حول المستقبل والوجود لهذا الكيان الصهيوني.
الوحدة والعمل المشترك
وعلى صعيد الوحدة الوطنية، أكد الحية على حرص حماس على العمل المشترك مع القوى والفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية والتحرك مع مختلف القوى والفصائل لبناء مرجعية وطنية جامعة، تسعى لاستعادة حقوقه وخاصة حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ودعا الإخوة في حركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى كلمة سواء والتوافق على برنامج عمل وطني مشترك، والعمل لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني وإعادة بنائها وفقا للتفاهمات السابقة.
كما دعاها لتفعيل برنامج الصمود والمقاومة الشاملة بكافة أشكالها وفق الإمكانات المتاحة في الساحات المختلفة، وإعادة الاعتبار للحياة السياسية الفلسطينية عبر صندوق الانتخابات.
دعم القضية وملاحقة الاحتلال
وطالب الحية بالتحرك على المستوى الإقليمي والدولي ومع القوى العالمية لتوسيع قاعدة التأييد لقضيتنا وحقوقنا لإنجاز حقوق شعبنا وأولوياته الراهنة وإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني.
ونبه إلى أهمية تفعيل الطاقات الإعلامية بكافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لمواصلة فضح جرائم الاحتلال التي قام بها العدو خلال الحرب على غزة أو في الضفة والقدس والسجون.
ودعا الحية أيضاً للعمل على ملاحقة الاحتلال قانونيا وعزل الكيان سياسيا ومحاكمة قادته أمام المحاكم الدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
قضية الأسرى
وشدد الحية على أن قضية الأسرى في سجون العدو أولوية لدى الحركة وفصائل المقاومة إلى جانب العمل على تحسين حياتهم الإنسانية وإنهاء السلوك الإجرامي بحقهم على طريق تحريرهم الكامل بإذن الله.
وأعرب عن تطلعاته في استعادة وحدة الأمة والعمل على إنهاء الانقسامات وتحقيق الوحدة بين مختلف مكوناتها في مواجهة العدو الصهيوني وسياساته العنصرية التوسعية.
المواقف الداعمة لشعبنا
وحول المواقف الداعمة لشعبنا والمساندة لقطاع غزة، أعرب الحية عن عظيم الشكر والتقدير لكل من ساند شعبنا ووقف مع قضيتنا، وخاصة الإخوة الوسطاء في مصر وقطر وتركيا، وكذلك من ساند مقاومتنا وامتزجت دماؤنا بدمائهم في ذات المعركة.
كما شكر من وقف مع شعبنا سياسيا ودبلوماسيا في مجلس الأمن والمحافل القانونية الدولية وخاصة الجزائر وروسيا والصين وجنوب إفريقيا.
وشكر الحية أيضاً كل من قدم المعونات الإنسانية في القطاع مثل قطر ومصر والجزائر والكويت والأردن والإمارات وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وغيرهم الكثير ممن أرسلوا المساعدات والغذاء والدواء من جمعيات ومؤسسات إغاثية وهيئات أهلية وحزبية على مستوى العالم العربي والإسلامي والدولي.
وعبر عن اعتزازه بمن ساند شعبنا ووقف في كل الميادين والساحات والجامعات ومن ركب البحر وخاصة في أسطول الحرية والصمود ومن زحف برا وجوا ليصل لغزة مساندا وكاسرا للحصار.
وشدد الحية في ذكرى الانطلاقة، أن الحركة ستبقى وفية وأمينة على نهج المقاومة وتحرير فلسطين والحفاظ على القضية الفلسطينية، وتبذل كل ما تملك من مقدرات وتضحيات في سبيل ذلك.
تضحيات الشهداء
وجدد العهد مع الله بالمضي على ما قضى عليه القادة الشهداء حتى نلقى الله على ذات العهد لا تغيير ولا تبديل، قائلاً: “هذا عهدنا وهذا دربنا وهذا سبيلنا”.
واستذكر الحية في الذكرى المجيدة كل شهداء شعبنا الأبطال من الرجال والأطفال والنساء، قائلاً: “إننا نستذكر قادتنا الشهداء بدءا بالشيخ المؤسس القائد الشهيد أحمد ياسين وإخوانه من جيل التأسيس، والقادة الشهداء العظماء الذين رحلوا عنا في معركة طوفان الأقصى القائد الشهيد إسماعيل هنية، والشهيد القائد الشيخ صالح العاروري، والشهيد الثائر يحيى السنوار، والشهيد المجاهد الكبير محمد الضيف، ومن ارتقى من القيادتين السياسية والعسكرية وأبناء كتائب القسام وكافة القوى والفصائل المقاومة وأذرعها العسكرية المختلفة”.
وأضاف: “نستذكر هنا الشهداء القادة من شعبنا أبو عمار وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى وعمر القاسم، وكذلك شهداء الأمة في هذا الطوفان وفي مقدمتهم الشهيد القائد السيد حسن نصر الله والشهيد القائد الحاج رمضان، وشهداء لبنان واليمن وإيران والعراق ومصر والأردن وقطر وتركيا الذين امتزجت دماؤهم بدماء شهداء الطوفان، فالدم واحد والمصير واحد”.
