في حرب تُعدّ الأكثر دموية في التاريخ الحديث، تحوّل الصحفيون في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى أهداف مباشرة للاغتيال، في محاولة يائسة لإسكات صوت الحقيقة، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي أقسى فصول الإبادة والقتل والتجويع.
حتى اليوم، بلغ عدد الصحفيين الذين اغتالهم الاحتلال 245 صحفيا، آخرهم ارتقاء خمسة صحفيين، إلى جانب ارتقاء أكثر من خمسة عشرة مواطنا قي قصف صهيوني استهدف مستشفى ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة.
وأكدت حركة حماس في بيان صحفي، أن اغتيال الاحتلال المجرم للصحفيين حسام المصري، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، ومعاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز أثناء تغطيتهم للقصف على مستشفى ناصر في خان يونس، واغتيال الدكتور الصحفي حسن دوحان، هو جريمة حرب ومجزرة مروّعة يهدف العدو الجبان من ورائها إلى ثني الصحفيين عن نقل الحقيقة، وعن تغطية جرائم الحرب والتطهير العرقي، والأوضاع المعيشية الكارثية لشعبنا الفلسطيني في غزّة، بفعل سياسة التجويع الممنهج التي يُصرّ مجرم الحرب نتنياهو على تعميقها ومفاقمتها، في تحدٍّ وقح للإرادة الدولية.
حرب على الصحافة
وسجل الصحفيون الفلسطينيون بشكل عام، والأسرة الصحفية في قطاع غزة بشكل خاص، شجاعة منقطعة النظير في توثيق انتهاكات الاحتلال وفضح جرائمه، فيما شكل الصحفيون بأرواحهم وصورهم الحية شهادة دامغة على جرائم الاحتلال، فاغتالهم في محاولة لقتل الحقيقة ذاتها.
جرائم الاحتلال بحق الصحفيين في غزة لم تتوقف، ففي أغسطس الجاري اغتال الاحتلال طاقم الجزيرة في مدينة غزة وشمالها، أنس الشريف ومحمد قريقع ومحمد نوفل وإبراهيم ظاهر ومحمد الخالدي، الذين كانوا خير شاهد على جرائم الاحتلال أمام العالم، فاغتالهم لقتل الحقيقة.
وشددت الحركة على أنه أمام هذه الجريمة المروّعة، فإنّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكافّة الأطراف المعنيّة مطالبون بالتحرّك الفوري والجاد لوقف جريمة العصر والإبادة الممنهجة في غزّة، وإنقاذ شعبنا وإغاثته بشكل عاجل.
إدانات دولية وحقوقية
وجاء استهداف الصحفيين ليشعل موجة إدانات دولية وأممية وحقوقية وصفت الحادثة بأنها جريمة ممنهجة لإخفاء الحقيقة، وصدمة كبيرة للمجتمع الدولي.
المقررة الأممية أدانت هذه الاغتيالات، ودعت إلى وقف المجازر في غزة والتدخل لوقف الفتك بالصحفيين، فيما وصف الاتحاد الدولي للصحفيين الجريمة بأنها “مجزرة أخرى” تضاف إلى سجل الاحتلال، وأكد الاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا أن قتل الصحفيين عمل مروّع ضمن الحرب على الصحافة في غزة.
ورغم أن الصور القادمة من غزة لا تمثل سوى نقطة في بحر المأساة، فإن جهد الصحفيين شكّل السدّ الأبرز في وجه محاولات الاحتلال طمس الحقائق وإخفاء الجرائم، واستهدافهم جاء ضمن سياسة ممنهجة لإسكات الصوت الفلسطيني، بعد حملات تحريض واسعة مارسها الاحتلال ضد كل من يوثق جرائمه في القطاع.
وفي هذا السياق، أدانت شبكة الجزيرة الإعلامية بأشد العبارات الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عبر استهدافها المباشر للصحفيين
ولفتت إلى أن حرب غزة سجلت أرقاما غير مسبوقة في استهداف الصحفيين وهي الأكثر دموية بحقهم في التاريخ الحديث.
من ناحيته، اعتبر مفوض الأونروا مقتل مزيد من الصحفيين في غزة محاولة لإسكات آخر الأصوات التي توثق موت الأطفال، ولا مبالاة العالم صادمة، مطالبا بإنهاء المجاعة وفتح المعابر دون قيود وحماية الصحفيين وعمال الإغاثة.
بدوره، أدان الاتحاد الدولي للصحفيين بشدة جريمة الحرب الأخيرة التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق الصحفيين في قطاع غزة.
محاولات لتبرير الجرائم
ويواصل الاحتلال ملاحقة صوت الحقيقة عبر حملات تحريض وإشاعات ممنهجة، تترافق مع فصول التجويع والإبادة، من إعدام بدم بارد للجوعى الباحثين عن الطعام عند ما يُعرف بـ “مصائد الموت”، إلى حصار إنساني خانق يمنع دخول الغذاء والدواء.
كما تنشط داخل الكيان خلية تُعرف بـ “إضفاء الشرعية”، تضم عناصر استخباراتية مكلّفة بالبحث عن ذرائع لتبرير حرب الإبادة الجماعية في غزة، وإضفاء شرعية زائفة على عمليات استهداف المدنيين والصحفيين، فيما يتساوق الإعلام الإسرائيلي مع هذه الروايات المضللة مدعومًا بصفحات مشبوهة على منصات التواصل، تسعى لتبرير قتل الصحفيين بذريعة باطلة.
وأشارت لجنة حماية الصحفيين إلى أن وصف الاحتلال الممنهج للصحفيين بأنهم “إرهابيون” دون أي دليل يثير تساؤلات جدية حول نواياه، مؤكدة أن الصحفيين مدنيون لا يجوز استهدافهم بأي حال، وأنه يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
كسر رواية الاحتلال
ورغم كل ذلك، نجح الصحفيون في غزة في كسر الرواية الإسرائيلية أمام العالم، بعدما نقلوا صور المجاعة والدمار والإبادة والنزوح بشكل استثنائي، وأجبروا الإعلام الدولي على الاعتراف بحجم الكارثة الإنسانية، مما أدى للضغط على الاحتلال لإدخاله المساعدات الإنسانية.
وظن الاحتلال أن اغتيال الصحفيين في غزة سيعيق نقل الحقيقة ويُعمّي على جرائمه، إلا أن صورة معاناة غزة تحت الحرب هي “الرواية الأقوى” أمام وجدان العالم، بفضل الدور العظيم الذي قدمه الصحفيون في كشف وفضح الاحتلال.
ويحمي القانون الدولي الإنساني الصحفيين في مناطق النزاع المسلح باعتبارهم مدنيين، ويؤكد على عدم استهدافهم، ويشدد على أنهم يلعبون دوراً مهما في نقل المعلومات والوقائع من مناطق النزاع وهو ما يساعد في كشف الانتهاكات ووقفها، كما أن تغطيتهم للحروب تسهم في توعية الرأي العام حول ما يجري في تلك المناطق.
الحقيقة تنتصر
وفي ظل مواصلة استهداف الصحفيين بغزة، لا يزال الاحتلال يمنع وصول الصحفيين من دول العالم إلى قطاع غزة، للاطلاع على الظروف الصعبة جراء مواصلة جرائم الإبادة والدمار والمجاعة القاسية التي أدت إلى وفاة العشرات.
لقد كانت معركة الصحفيين أعمق وأقوى من مجرد نقل الصورة؛ لقد ضربوا في العمق منطق التعتيم الإسرائيلي، وحققوا اختراقًا في رواية الصراع لصالح غزة التي تعاني ويلات الحرب.
رحل الصحفيون بأجسادهم، لكن الحقيقة التي نقلوها ستبقى خالدة، شاهدة على جرائم الاحتلال، وشعلةً تنير درب الحرية لشعبٍ يُباد أمام أعين العالم.